دار المعـرفة للطباعة والنشر   ترحب بكم     ***   ** جديد **  بعون الله تعالى صدرت (موسوعة الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم )12/1 للشيخ الدكتور أحمد الكبيسي     ***   بعون الله تعالى صدرت (مــوســوعـة المعجم المفــهـرس لألفاظ الحديث النبوي الشريف) ضمن 21 مجلد  - لأول مرة في العالم الإسلامي بمنهج علمي موحد     ***   50 عاماً في نشر المعـرفة * * * 50  عاماً في نشر المعـرفة     ***   صدر- جديد- جديد - كتاب للدكتور دلاور صابر { بالإيمان والغذاء نؤخر شيخوخة العقل والجسد}  مزين بالصور     ***   شعارنا:    اتقان في الاختيار       جودة في الاصدار     ***   ا لقـراءة متـعة و غــذاء للـروح     ***   اطلعوا على اصداراتنا من كتب الأطفال { المعرفة للصغار }  سلاسل هادفة وتعليمية     ***   دار المعــرفة للطباعة والنشـر    :    اتـقـان في الاخـتـيـار       جــودة في الاصـدار      ***   جديد   سلسلة " السيرة النبوية الشريفة " 12/1 للأطفال مزينة بالرسوم.     ***  

مقالات
يوم الثلاثاء, 23 نيسان 2024 

المؤلف :  د. عبلة الكحلاوي
الموضوع :  تربية
العنوان :  الخطاب الديني والطفل
التاريخ :  
24-06-2004

بسم الله الرحمن الرحيم
الولد ... هو النعمة المهداه وهو الغراس الأصيل في القلوب الممتد إلى الغد ، الولد أمل الأبوّه ، له تذوب العافية وهو الدعوة المستجابة إن صلح ، لذا جعله الحق مبتدأ سلم الباقياب الصالحات . وهو أحد أركان ثالوث التواصل في الدار الدنيا ( أو ولد صالح يدعو له بالخير ) .

وهو ركيزة الحضارة ونواتها إن قدرّ لنا إعداده إعداداً يتفق مع الغايه لتي من أجلها جاء الولد في دائرة " كن " ليقوم بمهمة عمارة الأرض وتحقيق الخيرية . وذلك بأتباع منهج الاستقامة ( قل آمنت بالله ثم استقم). لذا توالت الوصايا بإعداد وتربية الأبناء جسمانياً ونفسياً وعقلياً وعُدَّ ذلك من قبيل الواجب الديني وهو في خاتمة الأمر مجالا للثواب والعقاب .

فأمر المشرَّع الحكيم من يقدم على الزوج من الجنسين باختيار الأصلح والأتقى وما ذلك إلا حفاظاً على الولد لتنشئته تنشئة سليمة قال تعالى : ( ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ) وفي الحديث ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ) وأوجب رضاعته وحضانته والإنفاق عليه ، يقول تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن) وفي الحديث (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله).

كما أمر المشرَّع الحكيم بإعداده عقلياً ونفسياً ، يقول تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) وفي الحديث( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) ومنها قول على بن أبي طالب : ( علموا أولادكم على غير شاكلتكم فإنهم مخلوقات لزمان غير زمانكم ) {وافتحوا على صبيانكم أول كلمة لا إله إلا الله } الحديث.

فهذا الإعداد المنظم لما يلقنه الأبناء من أهم ما يقتضيه الدور الرعائي ( كلكلم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) ( وأن الله سائل كل عبد عما استرعاه حفظ أم ضيع ) الحديث.

إذ من شأنه الحفاظ على الهوية الإيمانية ، وترسيخ القيم والسلوكيات وتفعيل مقصود الاستقامة تحقيقاً للأمة الخيرة ، ولا يتم ذلك إلا باتباع أساليب تربـوية متـعددة مستقـاة مـن معيـن لا يـنضـب القرآن - والسنه ، فجاءت على النحو التالي : (الوعظ) القدوة – المثل – القصة الدراما الترغيب والترهيب والثواب والعقاب .

الخطاب الديني في جوهرة دعوة للهداية ليحيا المؤمن حياة آمنة مطمئنة ويفوز بالأمن والسلامة في الدنيا والرضا والرضوان في الآخرة .

بيد أن الخطاب الديني التربوي الآني فقد مصداقيته وأصابه الوهن وتجاسرت عليه المتغيرات والمستجدات ، وتحلقت حوله الآليات الذاهله التي تستخدم لغة الإبهار والألوان . فإذا به محاصر مغموض ، قاصر على الوعظ والإرشاد ، أو الترهيب ، والترغيب ولعل من أخطر الوسائط المؤثرة على تنشئة الأبناء الوسيط الإعلامي .

فالخطاب الإعلامي الذي يشكل الخريطة الإدراكية للطفولة البريئة ، وربما يكون الأكثر تأثيرا من الوسائط الأخرى (الأسرة ، المدرسة ، المسجد) لهذا آثرت أن أضع دائرة الضوء على هذا الوسيط المؤثر وذلك من خلال المحاور التالية :

المحور الأول : مدخل ثقافة الطفل الإلكترونية .

المحور الثاني : توصيف الوجبة الإعلامية التقليدية والدينية للطفل .

المحور الثلث : معالجة وتوصيات لتحديث الخطاب التقليدي والديني الموجه للطفل العربي لمواجهة التحديات الراهنة .

المحور الأول : مدخل ثقافة الطفل الإلكترونية

بدأت علاقتنا بوسائل الإعلام عن طريق القراءة . فالصحيفة حلوى الصباح ، والكتاب متعة المساء والبحث والتفكير أيقونة الفجر ، وأحلى الكلمات تلك التي تنسكب على الصفحة البيضاء مسكونة بالمشاعر وما اختزلتة القريحة من قراءات بعد ما فاضت به ذاتيتي القارئة من مفردات فتأتي العبارة طيعة لينة، مهضومة حانية . أما الآن فعلاقتنا بوسائل الإعلام أصبحت تتسم بالتعددية والشبكية التي تلتحم في بوتقتها مناحي الحياة في شبكة عنكبوتية تتفرع منها شبكات فائقة الدقة .

فها هو البث المباشر عبر الأقمار الصناعية والإنترنت والشبكات المعلوماتية إلى آخرة من مظاهر الحياة الديجاتيلية الرشيقة ، يصب في النهاية ويخترق جدار الدار فيسكن في خارطة عالمنا كبالغين ، أو عالم أبنائنا سواء من الناحية الإدراكية أو النفسية أو الاجتماعية وربما السلوكية . ومحور حديثي في هذه الوريقات هو الطفل ( المشاهد الصغير) القابع فـي عمـق الـدار.

أما أبناء العصر قلما تجد بين أناملهم جريدة أو كتاب ، لكنهم ربما أعلم منا بالتقنية الدقيقة بل قد أجد من إحدى بناتي نظرة مهذبة لكنها تفضح عن معنى لا يخفي على لبيب . نعم إنها تعرف ما لا أعرف عن طريق المعارف المشاهدة والوسائل الإلكترونية الحديثة التي تختزل الزمان والمكان وتتحدى الحدود والسدود وتجعل العالم بأسره بين يديها كتاباً مفتوحاً . فإن ترحمت على سلسلة الكتب التي كنا نتابعها ونوصي بها القاصي والداني لما تحويه من معارف وعلوم. تقول ابنتي بهدوء يكفي أن أعرض هذه القطعة البلاستيكية الممغنطة (السيد دي) لأتعرف على ما أريد صوت وصورة وموسيقى تصورية. وتحاول الصغيرة أن تبرهن على تفوقها المعرفي فأنهي الحديث فوراً بكلمات مقتصبة والحق أن قلبي يتوجع على هذه الكتب التي كادت تأكــلها آفة الورق .

إلى أن قرأت دراسة قامت بها مؤسسه أبحاث يطلق عليها ( كايزر فاميلي فاونديشن ) فحواها أن الأطفال الذين يشاهدون التلفاز ويتابعون برامج الأطفال عبر الفضائيات قدرتهم على القراءة أقل ممن سواهم . بل وجدت الدارسة أن الأطفال حتى ست سنوات يقضون وقتا في الجلوس أمام الوسائل الإلكترونية يساوي وربما يزيد عن الوقت الذي يقضونه في الأنشطة الحركية الأخرى . بل نبَّهت الدارسة إلى أن الأطفال منذ لحظة الميلاد يصبحون هدفا لسيل جارف من برامج التلفزيون والألعاب الإلكترونية والفيديو والكمبيوتر. فهم وحتى السادسة يقضون أكثر من ساعتين أمامها يوميا ، بينما يقضون في القراءة والاستمتاع 29 دقيقة بالكاد ثم توصي الدارسة بضرورة اختيار الأم لكتاب يتميز لجاذبيّة الألوان والصور والطباعة سواء في الغلاف أو المحتوى وتمنح أطفالها من وقتها ساعة تقرأ لهم هذا الكتاب .

وفي دراسة أخرى أجريت في إحدى الدول الأوروبية أثير فيها مدى تأثر الأطفال الجسماني والنفسي بالمشاهدات المتلفزة وبالألعاب الإلكترونية . واتبعت الدارسة أسلوبا لطيفا وذلك من خلال المرور على البيوت وعرض المخاطر على الآباء وحثهم على تقليل وقت المشاهدة . وكذلك عرضت عليهم تدريبهم على المهارات اليدوية بتقديم أدواتها وطريقة تشغيلها وقدمت جوائز عينية ونقدية لكل أسرة تنجح في تنمية مهارات أبنائها . إذن فأنا على حق فللكتاب دوره في منح المعلومة المستقرة وأيضاًً في تنمية الملكيات الأدبية والشعرية . تلك التي لا تترك آثارها إلا بالقراءات المتنوعة فالعلم تراكمي . من هنا يمكن أن نفسر لماذا تفوق ابن القرية أو ابن العامل البسيط على نظيرة من أبناء الوفرة وخاصة في المراحل الدراسية الحاسمة : الإعدادية والثانوية ، بل نجد هؤلاء الذين لم يجعلوا للوسائل الإلكترونية سلطانا عليهم إلا بقدر .

وهم أيضاً الذين حرصوا على أعمال العقل والتفكير. إذ لم تعرف الوجبات الدسمة الشهية الجاهزة طريقها إليهم ، عبر الأسلاك أقول نجدهم قد برعوا في ابتعاث الحياة والروح في العالم الذي كادت أن تصعقه الوسائل المكهربة .

إنهم يعبرون المستحيل على ظهور وريقات صفراء وبيضاء لكنهم يصلون وقد طيبهم ملح الأرض وشمس الحقيقة وفجر الصباح .

أنهم لحظة الإبداع التي تخرج بين الفينة والفينة وومضة النور التي تضيء حنايا الأرض ، إنهم أجنة النجاح وأمل الانتماء في لحظ الصحوة ، أخذوا ولم يؤخذوا . فإن شاهدوا لم يُفتنوا ، فرقوا بين ما يثري الفكر وينمي الإبداع وبين ما يقذف بهم إلى حضيض البهيمية . أتدري لماذا ؟ لأنهم فتيه آمنوا بربهم .

المحور الثاني : توصيف الوجبة الإعلامية التقليدية والدينية المقدمة للطفل

ومن هنا وجب علينا إلقاء الضوء على طبيعة الثقافة الإلكترونية المقدمة للطفل وكذلك معرفة التبعات النفسية والاجتماعية والمعرفية لهذه الثقافة . وذلك من خلال الوجبة الإعلامية التقليدية والدينية الموجهة للطفل إذ تعددت الوسائل الإلكترونية للثقافة الآنية وأحاطت بالأبناء من كل متجه ومن أهم روافدها النابضة بالحياة : الفضائيات، والألعاب الإلكترونية والكمبيوتر والتشاتينج عبر الإنترنت وما يحويه من اتصال قد يكون آمن أو غير آمن . وكذلك تعددت اثار هذه الروافد بتنوعها على الأبناء بدرجات متفاوتة بحسب المخزون الإيماني والقيمي والثقافي بل والوطني القابع بذلك الجسد الصغير .
ومما لا جدال فيه أن الأثر المعرفي الإيجابي لثقافة الطفل في عصر الانفتاح الثقافي أثر جلي، وفي هذا الصدد يقول جبترومكافه:

إن وسائل الإعلام الجديدة (New media) تقدم معلومات غزيرة وتفتح له آفاقاً جديدة حول العالم وحول الثقافات المختلفة ، وكذلك تمده بأساليب حياتية مغايرة ومتميزة ومختارة وفي بعض الأحيان تقدم لنا اقتراحات مساعدة عن كيفية إتمام وإنجاز أشياء لم تقم بها من قبل . وكذلك يتعلم الطفل طرق جديدة للعب وكذلك قواعد التنظيم والتخطيط وغيره .

ولكن احتمالية تعرض المشاهد الصغير (young audience ) للمضامين الغير آمنة هي احتمالية واسعة النطاق ولا نستطيع إغفالها .

فلقد أصيب هذا الجيل بأزمة قيمَّية ينعكس صداها على سلوكهم اليومي في مناشط حياتهم ونستطيع أن نرسم ملامح هذا التأثير كما يلي :

أولاً: تعد مادة الرسوم المتحركة هي الوجبة الإعلامية الشهية للصغار وأنها تأتي في طليعة مشاهدات الصغار فقد وجدت إحدى الدراسات أن متابعة الأطفال للرسوم المتحركة تقدر بحوالي عشرة آلاف ساعة بنهاية المرحلة الدراسية المتوسطة وقد تهدف هذه الأفلام الكرتونية أحياناً إلى زعزعة عقيدة الطفل في خالقه والعياذ بالله .

وكذلك تعليم الأطفال أساليب الانتقام وكيفية السرقة وكل ما يفتح لهم الآفاق للجريمة .

فمثلاً الطفل الذي يغرس حبة فتنمو شجرة تكبر وتكبر حتى تبلغ السماء فيصعد الصغير عليها وفي السماء يرى قصراً كبيراً ، ثم يشاهد رجلاً قبيح الصورة كثيف اللحية توقظه الجلبة التي يحدثها الصغير عند مروره بالقصر فيستشيط غضباً ويظل يلاحق الصغير وينزل وراءه على الشجرة ، فبتناول الصغير كوباً من العصير يحتوي على منشطات حيوية مصنعة فيشعر بالقوة ويتعقب صاحب القصر حتى يجبره على الفرار منه والصعود إلى السماء مرة أخرى عن طريق الشجرة وهنا يترك المسلسل تساؤلات عديده وعلامات استفهام فيسأل الطفل من هو الله ؟ ولماذا يصور المسلسل هذا الشخص الذي يعيش فوق السماء بهذه الصورة المنفَّرة .

وميكي ماوس الذي له قدرات خارقة ينزل المطر ، ويصنع الخير ويدبر المكائد لماذا يقطن السماء والسحاب ؟

ثانياُ : معظم ما يقدم من برامج يكرس الحياة الغربية في الملبس والمأكل والمسكن مما يورث الأبناء نوعاً من التمرد على حياتهم يصل إلى درجة الإحباط ثم التخطيط ثم الإنكار.

ثالثاً : بعض البرامج تشير بطرف خفي إلى التحرر من الوالدين وحقهم في التوجيه والتربية بل تهون من شأن القيم الإسلامية التربوية. فالأم تغازل زوج البنت والأخ يتحين الفرصة للإيقاع بزوجة أخيه . ومستوى الرفاهية المقدم يثري الفكرة ويمنحها قدراً من القبول والقناعة .

رابعاً : اهتمت الفضائيات بأنماط رئيسية من الأفلام والمسلسلات تكرس للسحر والشعوذة واستطاعت براعة المخرج والمصور ومخططّي الحيل أن يبلغوا أعلى درجات التقنية في هذا المجال مما كان له أثره في جذب المشاهدين من الشباب والصغار والكبار وأصبحت لها نسبة مشاهدة عالية ينتظرها الجميع ، فهم يوقفون الزمن ويخرجون إلى المستقبل ويتحولون في الفضاء ويتعاملون مع الجن والملائكة ويستخدمونهم في الصعود والهبوط من السماء إلى الأرض .

خامساً : اهتمت الفضائيات بأنماط رئيسية من الأفلام والمسلسلات التي تكرس الرعب أو الجريمة والتي قد تهون من قيمة الإنسان ، فهو أشبه بالجرذان الضالة وأدنى من الصرصور والنمل فلا مانع أن يخرج علينا بطل المسلسل الذي يتفنن في غرس أنيابه وأظافره وربما أترع في سعادة دماء عائلة ما أو طفل قرية ما . أو يُخرج الوحش المفترس من دبيبة- الأرض التي ربما لم نلحظها بالخدع السنيمائية - فُيكبَّر العناكب والنمل والنحل حتى يترك أثره على المشاهدين وخاصة الأطفال والشباب. فجاء التأثير على شقين :

الشق الأول : يصاب المشاهد الصغير بآفة الخوف والترويع وخاصة لو شاهد شيئاً منها في حياته العادية ( النمل – الصرصور )

الشق الثاني : يتبارى في استخدام أفانين المخاطر فربما حمل المدية والخنجر وطعن من يختلف معه ، وقد راعنا قتل صبيه - المدرسة لزميل لهم نهاهم عن معاكسة أخته ، ومن يتابع قضايا الأحداث يجد أنهم تأثروا بما يشاهدونه . ومن المشاهدات المتخصصة والمخصصة للأطفال والصبية في المراحل العمريه التي تتشكل بها خريطتهم الإدراكية الأفلام التي تكرس للهيمنة، فهناك صنف لابد أن يسود وعلى الآخرين السمع والطاعة فهو المستخدم لأعلى درجات التقنية والإبهار أنه يطير في السماء ويعبر الصواريخ ويخرج من باطن الأرض ويقاتل ساكني الكواكب الأخرى ويتقلب عليهم ليعود السوبر مان الذي يعيد الحق إلى نصابه والذي لا يقهر .

لذا استطاعت هذه المشاهدات لكثرة تتابعها وتنوع أساليب عرضها أن تصل إلى ما ترجوه فأصبحت أمنيه الصبية الصغار تحقيق أقصى متعة وأقصى سعادة وامتلاك أحدث السيارات في أقل وقت ممكن وبالتالي تراجعت الهوية الإسلامية ذات الأهداف السامية النبيلة ، فهم ينشدون الآنية اللحظية للجنّة الموعودة في المتعة والملبس والغذاء .

كما نجحت هذه المشاهدات المنظمة للفضائيات أن تجعل الثقافة الاستهلاكية هي الزاد الحقيقي للجيل فقد تحول الأخير نتيجة لإغراقه في يم الإعلانات الراقصة إلى إنسان هامشي سلبي يعتمد على غيره ولا يحس العمل ولا الإنتاج .

ولهذا لا نعجب أن رأينا أفانين العقول الأخرى تزحم الأسواق العربية الإسلامية بصناعات رديئة وربما لها أثرها المدمر على الشباب والأطفال ، كذلك مشاهدة القنوات الإباحية أو الإيحاءات الجنسية تؤدى حتماً غلى مخاطر وخاصة بين الشباب الصغار والأطفال حيث تنمي فيه الرغبة قبل أوانها فلا تعجب عندما نسمع عن صبي واقع أخته مقلداً ما يشاهده وناهيك عن انتشار الشذوذ واللواط بين هؤلاء الصغار .

كل هذه العوامل تؤدي إلى تدمير البراءة في نفس الطفل العربي فهو يعيش ويمتزج بواقع غير واقعه وحياة غير حياته . بينما تقوم الأسرة والمدرسة بتعليمه وتثقيفه بمادة ثقيلة متناقضة لا تتناسب مع تطَّلعاته التي نمت من جراء هذه المشاهدات .

وفي محاولة لوضع الوجبة الإعلامية الدينية تحت دائرة الضوء . نجد أن الطفل العربي المسلم يتعرض في عالمنا المعاصر لبعض البرامج ذات التوجه الديني التربوي لتفعيل المادة الدينية وإعطائها البعد الواقعي المعاش والتي قد تتميز بالابتكار،ولكنها تحتاج للمزيد من الجهد الفني والابتكاري لتواكب الوجبة الإعلامية الإلكترونية التي تعود عليها الطفل عبر الفضائيات والأنترنت .

فجاء الخطاب الديني الإعلامي الموجه للطفل على النحو التالي :

أولاً : إما أن يقدم في صورة دراما يشارك في إعدادها الأطفال تبرز معنى قيميا وتحث على الأتيان بسلوك محمود ومثال ذلك ما تعرضه قناة اقرأ من حين لأخر . وكذلك بعض القنوات المحلية والفضائية.

ثانياً : أو يقدم بصورة معروض كرتوني تقليدي يهدف إلى إيصال المعنى التربوي الديني للصغير بأسلوب يفهمه وتترجمه خريطته الإدراكية بصورة حسية فنية رشيقة حيث يلتحم هذا العرض الكرتوني مع خبرة الطفل الإتصالية السابقة . ومثال ذلك ما تعرضه قناة اقرأ وقناة المجد وكذلك بعض الفضائيات.

ثالثاً : وربما يقدم في صورة عرض صلصالي متحرك مبتكر . وهو عرض جذاب ومميز ويقدم هذا المنتج الإعلامي القصص الدينية بصورة مشوقة مع عرض لأهم الأحداث ذات الأثر التربوي للموضوع ومثال على ذلك قصص الأنبياء التي تناولتها الفضائيات وكذلك القنوات المحلية ثم قدمتها الأشرطة الممغنطة ( سي دي ) وبذلك تزداد فرص المشاهدة المنفردة والمتكررة وبالتالي يزداد ارتباط الطفل بالقصة والعبرة من القصة.

رابعاً : أيضاً يقدم في صورة عرض غنائي أو ما يشبه الكليب التقليدي ولكن يتميز بأن أبطال هذا الكليب الغنائي أطفال . وذلك باستخدام كلمات مؤثرة ومفهومة وإيقاعات مدروسة بحيث تحدث الأثر التربوي الديني لدى الطفل يعمد إلى ترسيخ القيم الخلقية والآداب الإسلامية.

خامساً : أيضاً برامج حوارية تعليمية دينية ويعد هذا الشكل البرامجي بأساليب عدة فبأخذ تارة الشكل التعليمي التقليدي بحيث يجلس المذيع وسط الصغار يتدارسون معنى تربوياً دينياً ،أو يتعلمون قراءة آيات الذكر الحكيم ، ويتميز هذا العرض باختيار مواقع تصورية متميزة ومناخ مفتوح بعيدا عن الحجر التصويرية المغلقة أو الطرق التقليدية في التلقي ونموذج هذا ما تعرضه قناة اقرأ أيضاً .

وعلى الرغم من هذه المحاولات الجاّدة والمتنوعة والتي لها أثرها على المتلقي الصغير، إلا أنها لم تحظ بالذيوع الواجب، هذا فضلاً عن أن هذه المحاولات لا تواكب الكم المذهل الغزير الوافد.

أيضاً يفتقر المعروض المقدم إلى نواحي الإبداع التقني . فإن سلم الهدف ووضحت الفكرة لم تسلم الطريقة الفنية للعرض.

المحور الثالث : معالجة وتوصيات لتحديث الخطاب التقليدي والديني

الموجه للطفل العربي لمواجهة التحديات الراهنة

من هنا كان لزاما علينا تحديث الخطاب الديني الخاص بالطفل سواء من حيث المستوى الفكري أو القالب العرضي المقدم من خلال الفكرة . وذلك من خلال النقاط التالية :

فلابد أولاً : من عقد سلسلة من الندوات والمؤتمرات التي تجمع نخبة من مسؤولي وخبراء الإعلام المسلمين الذين يتسمون بالوسطية ، وأيضا خبراء وضع المناهج وعلماء اجتماع وعلماء النفس يقومون جمعياً بتقديم الأفكار النابعة من أصولنا العقائدية والمجتمعية مع إضافات فنية لا تخفي على متخصص ليقدم لأبنائنا ما يتناسب مع كل مرحلة عمريه وأيضاً لا نغفل الإشارة إلى قضايا العصر وخاصة أطفال الحجارة ومعنى الانتفاضة حتى لا ينسى الأطفال في ظل هذا الزخم الإعلامي المتسلط جراحات الأمة .

لابد من إنتاج برامج وحكايات إسلامية تنّمي وتحافظ على السلوكيات وتهِّون من شأن التقليد وترسيخ مفهوم الانتماء . وذلك من خلال تفعيل آيات الله والأحاديث لتقربها للأذهان .
مثال حديث ( سمَّ الله) ( توحيد وعبودية لله الواحد ) بالغاية والمنهج للتعريف بنعم الله وكل محبوب لدى الطفل الأم - الأب – الأخ الصغير هدية من الله الله الرزاق تأمل الشجرة والنبات والفاكهة والثمار .

( وكل بيمينك ) عمل ، فلا بد أن آكل من صنع يدي ، ولابد من أن استثمر نعم الله في خلقه وإبداعه فأتقن العمل اليدوي الذي عليه المعوَّل الكبير الآن .
( وكل مما يليك ) أي أشجع كل ما هو محلي وأرفض المستورد فكل ما تخرجه البيئة المحيطة بي هو أنسب مطعوم لي ، وبالتالي حبة القمح والعود والأخضر المنتج في قميص بيتي والذي يسقيه الماء الذي أشرب منه .

ثانياً : ألا يكون الخطاب الديني الموجه للطفل قائم على :

رفض كل أشكال الحضارة الغربية فلا يدفعنا الخوف من المؤامرة أن نرفض كل شيء فينبغي أن نعي أن الحضارة الغربية قامت على مجموعة من القيم الإنسانية والاجتماعية التي جاء بها الإسلام والتي منها إتقان العمل والعلم والتخطيط والنظام والتعاون وحسن الإدارة والإخلاص والعلم القائم والتدبير والتجربة .

ينبغي ألا ننسى أن هذه الحضارة استطاعت أن توفر الجهد البدني ثم استطاعت أن توفر الجهد الذهني .

وقدمت الكثير من الحلول للمشاكل البيئية بل وتم القضاء كلياَ على العديد من الأوبئة والأمراض ونجحت في اكتشاف مسببات الأمراض المستعصية عن طريق فك شفرة الجينات

لكن ينبغي ألا ننسى أيضاً أنّ الحضارات لا تقوم على التقدم العلمي ولا التفوق العسكري ولا الازدهار الاقتصادي فقط فلا تعتبر حضارة حق إلا إذا صاحبتها عقيدة متميزة وقيم إنسانية راقية ومبادىء أخلاقية فأما إن اقتصرت على الجانب المادي فهي آلية مساعدة للحضارة وليست حضارة لأنها توفر الجهد فقط . وينبغي ألا ننسى أن وراء هذه الصورة الجملية آثاراَ سلبية للحضارة منها النزعة المادية والنزعة العلمانية وأنها حضارة تقوم على الصراع يقول : هوبـز " الإنسان ذئب لأخيه الإنسان " وهذا إلى جانب الانحلال الأخلاقي – التفسخ العائلي - القلق النفسي – الاضطراب العقلي – الجريمة والخوف .

ثالثاً : لابد من تفعيل دور الوسيط الأسري لتحديث الخطاب الديني وذلك بالدعوة :

• لإعداد الأبناء إعداداَ سليماَ لاستقبال الأفكار الوافدة والمتناقضة والمغايرة وذلك بتقوية ثوابته العقائديّة ومعايشتهم في كل حين لربط الأصالة بالمعاصرة والاهتمام بالآنية الفاصلة بينها وذلك بالاندماج والامتزاج حتى لا ينفصل الولد عن مشيمتة الفطرية الإيمانية وبالمناقشة والحوار .

• اختيار ما يشاهده الأبناء وليكن ذلك بالإقناع والحوار ، وفلترة هذه المشاهدات بإعادة تقييم العمل والتركيز على البراعة في استخدام الحيل وأن هذا البطل السوبر ليس إلا شخصاَ عادياَ لكنه يجيد عمله باستخدام الحيل الفنية والوسائط الإلكترونية التي تجعله يطير في السماء ويعيش تحت الماء .

• تقديم البدائل وإتاحة الفرصة للأنشطة الرياضية والمهارات اليدوية .

 • الحرص على أن تكون الوسائل الأثير الإلكتروني في غرف المعيشة وليست في الغرف الخاصة ( سواء الكمبيوتر أو التلفاز ).

فالمطلوب أولاً : ترتيب عقول الصغار والخروج من ربقة الحشر والحشو والتكديس، فالعقل كالحقل وكما تزرع تحصد .

فالمطلوب ثانياً ، تنمية الوعي بالذات والثقة بالنفس والتعرف على العلم النافع والذي يورث الطمأنينة .

والمطلوب ثالثاً : تقديم البدائل المستنيرة التي لا تعوزها عوامل التشويق والجذب.


وها نحن نرى أطفالنا وشبابنا يتابعون البرنامج العبثي ( ستار أكاديمي ) الذي يقدم فكرة مستغربة عن واقعنا بل ولا تعالج من قريب أو بعيد قضية ذات بعد قيّم من قضايا الأمة الكثيرة التي تحتاج إلى :( التخطيط – النظام – احترام الوقت – العمل – وتناقش الاستلاب المنظم للحواضر الإسلامية – الغربنه- والتهميش وتشويه المعاني والقيم – الاستخدام الخاطىء لوسائل الاتصال الحديثة ). بل على العكس – نجد بين هذا الكم الهائل من الإبهار التقني الذي لا يقل مستوى عن نظيره الذي يقدم في الخارج – أقول نجد دعوة صريحة للخروج من ربقه القيم الدينية والمجتمعية والخصوصية الحضارية بل أصبحت مباركة ومقبولة من مستويات أسريه عدة ، للأسف ترى ما البديل الذي قدمناه مجتمعين دون أن نقع في دائرة جلد الذات أو التراشق بالعبارات .

ولله ولي التوفيق    -  د عبله الكحلاوي