إلى متى أنت غافلة ؟
كيف ترضين بأن تمر عليك أنفاسك وأنت محرومة من عطاء المعطي ، وإحسان المحسن ووهب الوهاب ؟ .. هذا الأمر ينبغي على أساسه أن يحصل في قلوب تفكر واعتبار ، وتهيؤ لطلب القرب من الملك العزيز الغفار . . الذي إذا تقرب إليه العبد أقبل الله عليه ، إن معنى تقربنا إلى الله مجازي وليس حقيقي ، ما معنى هذا الكلأم ؟ التقرب إلى الله تعالى الذي ننسبه إلينا .. بأننا اجتهدنا أو أقبلنا أو رغبنا أو طلبنا أو اجتهدنا .. إنما هو مجاز ليس بالحقيقة ، ما معنى مجاز ؟ معناه : أن صورة الإقبال منا حقيقتها الإقبال منه هو جل جله . هل يستطيع الإنسان أن يقبل على الله دون أن يكون الله قد أقبل عليه ؟ لا ..لا وعزته .. الملوك لا يدخل إلى منازلهم إلا بإذنهم.. والأمراء لايولج إلى محاضرهم إلا برغبتهم ...وملك الملوك جل جلآله لا يستطيع قلب في الوجود أن يطلب القرب منه ، أو أن يسعى إليه إلا إذا أراده جل جلاله ، ومعنى هذا الكلام أن المؤمنة إذا وجدت من قلبها إرادة قرب من الله .. ووجدت من نفسها همة سير إلى الله .. ووجدت من كلياتها استجابة في سعيها إلى الله .. فهي بشارة لها بأن الله قد أرادها وأن الله قد دعاها إليه ، وفتح قلبها لحضور مجالس العلم ، لأن الذي أحضركن في مثل هذا المجلس .. والذي أصغى بآذانكن لمثل هذا الكلام هو الله جل جلاله .. كم من واحدة سمعت عن مثل هذه المجالس فلم تحضر ؟ كم من واحدة سمعت عن مثل هذه الدروس فلم تستمع ؟ فمن الذي أحضرك ؟ من الذي جعلك تصغين ؟ ومن الذي صرف الأخريات ؟ إنه الله جل جلاله وتعالت عظمته .
ونحن الذين دعانا الله إلى مثل هذه المجالس .. نحن الذين أسمعنا الله مثل هذا الكلام .. نحن الذين حرك الله فينا الرغبة والهمة .. هل نستحق هذا ؟ هل عندنا استحقاق به يعاملنا الله ؟ لا وعزته وجلاله . لو عاملنا الله بأصغر ذنب من ذنوبنا لخسف بنا الأرض .. لما أبقى فينا بقية لو أن الله تعالى أزاح ستره عن معايبنا وعن مخازينا ، وعزته وجلاله لما سلم علينا أحد من الناس .. ولا أصغى إلينا أحد من الناس ، لو أن الله تعالى قابلنا بما نستحق .. لسحق كل واحد منا سحقاً ، لكن كرم الكريم وفضل المتفضل هو الذي أحضركن إلى هذه المجالس ، وهو الذي أنطق اللسان وهو الذي أصغى وجعل الآذان تستمع وتنصت.
أنتِ الآن في هذه الساعة .. وأنتِ تقرئين مثل هذا الكلام .. قد دعاكِ الباري جل جلاله إلى ساحته .. وساق إليك خطاباً لتقبلي عليه ولترغبي إليه . معنى الإقبال على الله .. وطلب الوصول إلى الله .. والقرب من الله .. هو أن يقذف الحق جل جلاله في قلب العبد باعث الإرادة ، ومعنى باعث الإرادة : أن يقذف الله رغبة في الإقبال عليه .. أن يقذف في القلب شوقاً إليه .. أن يقذف في القلب احتراقاً في طلب القرب منه .. أن يقذف في القلب خوفاً منه... سبحان الله تعالى أن يقذف في القلب تفكراً ، هذا التفكر يجعل الإنسان يتأمل في حال نفسه مع الله .. يقول : خلقني الله من العدم .. وتكرم علي بصنوف الجود والكرم .. ثم بعد ذلك أسأت المعاملة معه .. ثم بعد ذلك غفلت عن المقصد الذي من أجله ميزني وسخر لي هذا الوجود .. ثم بعد ذلك نسيت أني في هذه الدنيا عابر سبيل .. أني في هذه الحياة يوشك أن أنادى ويناديني منادي الارتحال .. وأني لا أعلم متى سيكون هذا النداء .. وأن هذا النداء إذا جاء لا ينتظر .. وأن هذا النداء إذاجاء لا أملك أن أتأخر عن إجابته ، وأن ملك الموت عليه السلام إذا تجلى لي .. وقال لي : بحثت لك في مشارق الأرض ومغاربها عن نفس ، فلم أجد لك ، سيقبض روحي قبل أن أتنفس لا محالة ، وأن روحي إذا قبضت فمعنى قبض روحي انتهاء الفرصة التي كانت لي في هذه الحياة ، فلو أن أهل القبور بمجرد وضعهم في القبور أمضوا أوقاتهم جميعها في العبادة والتوجه وطلب التطهير للبواطن والإقبال على الله لما قبل ذلك منهم ، لأن الفرصة التي خلقوا من أجلها ولها هي هذه الحياة .. ولأن الله قد ساقهم ودعاهم وهيأ لهم الفرص قبل أن تأتي ساعة الوفاة .
من تأمل هذا المعنى عرف أن ثمرة الإقبال على الله في الدنيا .. أن يقبل الله على المقبل ، أحضري قلبك وتأملي هذا المعنى .. ثمرة إقبالك أنت أيتها الضعيفة المسكينة الفقيرة إلى الله جل جلاله .. ثمرة أن تقبلي على الله أن يقبل عليك ، أيمكن أن تتخلف وقد أقبل الله جل جلاله ؟ إذا كان الله تعالى أقبل .. فمن ذا الذي يستطيع أن يتخلف عن الإقبال عليه؟ التي تفقه هذا المعنى تطلب ما عند الله وتطلب السير إلى الله .. وهذا الطلب الذي يحصل في القلب .. والرغبة في الإقبال على الله .. يسميه أهل علم السلوك وتطهير البواطن : الباعث ، والباعث : هو خاطر يخطر في قلب الإنسان يزعجه ويقلقه .. يقول له : إلى متى تعيش في هذه الحياة الدنيا وأنت غافل ؟ إلى متى ....
|