مواضيع أخرى
مقالات
![]() 08-08-2004
قال تعالى : ( شهرُ رمضانَ الذي أُنزل فيهِ القرءانُ هُدى لِلناس وبيِّناتٍ من الهُدى والفُرقان ) { البقرة: 185} ،
وبعد : فإن رمضان شهر الخيرات والنفحات الإلهية ، شهر البر والتقوى، شهر العبادة والتقرب ، شهر العطاء والبذل والسخاء ، شهر القرآن ، شهر القيام والطاعة والزلفى إلى الله تعالى.
رمضان فضل إلهي ، وعطاء رباني ، ومنحة سماوية لأهل الأرض ، هو أفضل الشهور عند الله تعالى ، ميّزة على سائر الشهور بميزات كثيرة ، وخصائص فريدة وصفات خاصة .
إنه عالم خاص ن ولو مستقل، له رائحته الذكية ، وطعمه الشهي ، ومذاقه الحلو العذب الزلال الجذاب الذي يعرفه من مذاقه ، وينتشي فيه من عاشه .
يهلُّ هلال رمضان ن ويحلّ شهر المبارك ، فيفرض نفسه ، فلا يلحق به كلام أو بيان ، أو مقال أو خطبة ، أو ترغيب أو ترهيب ، لأنه – بذاته وواقعه – أقوى من ذلك وأبلغ وأعمّ واشمل، وأفصح من كل حديث ، وأكثر تأثيراً من كل توجيه ، وردت فيه آيات الذكر الحكيم ، وفضّلت فيه أحاديث نبوية تنطق بجوامع الكلم ، ومع ذلك فإنه يفرض نفسه بنفسه دون توجيه أو إرشاد .
لذلك كان رمضان ظاهرة فريدة من عدة جوانب : - رمضان ظاهرة اجتماعية : يعيشها أفراد المجتمع ، الكبير والصغير ، الغني والفقير ، المحسن والمقتر ، الرجل والمرأة ، الصائم وغير الصائم ، وتجتمع الأسرة الصغيرة على السحور والفطور ، كما يجتمع الأقارب والأهل على الموائد، وتلتقي الجماهير في المساجد، ثم تتوسَّع اللقاءات في صلاة العيد، وينصهر المجتمع في يوم العيد، فيكون المجتمع واحداً في مظاهره وأعماله الدينية والدنيوية، ومن ثمَّ تتحقق وحدة الأمة بالشعائر من أقصاها غلى أقصاها. - رمضان ظاهرة دينية : تسمو فيه شعائر الدِّين ، فتأخذ بالألباب، ويقبل فيه العصاة على ربهم، ويتسامى الصّوام إلى بارئهم، ويعشق المتقون لقاء ربهم، ويخلو المعتكفون بالملائكة، ويلتزم الجماهير بالتديّن ظاهراً وباطناً، بمراقبة ذاتيه إلهية ربانية، وتفتح لهم أبواب الجان، وتصفّد الشياطين، ويخنس الشرار ن وتصفو الحياة من الشرور، وتجتمع فيه معظم أركان الإسلام من الشهادة والصلاة والصيام والزكاة والعمرة .
_ رمضان ظاهرة روحية : فتعود الروح إلى بارئها بالمناجاه ، والدعاء في الشهر الذي توسطت آياته بقوله تعالى : (وإذَا سألكَ عبادِي عنّي فإنّي قريب أُجيب دعوَةَ الدُّاع إذا دعانِ فليستجيبُوا لي وليومنُوا بي لعلهُم يرشُدُُونَ ) {البقرة : 186} وهنا تأنس الروح بملائكة الرحمة، وتتجه إلى المساجد بالاعتكاف ، وقيام الليل ، والتسبيح والتذكير ، والخوف ، والرجاء ، والطمع بجنات النعيم ، وتبلغ الروح أسمى مناها في العشر الخير، ثم في ليلة القدر ، لتحيا روحياً وكأنها بدون أجساد ، وترقى في العشق الإلهي ، والحياة الروحية المحضة ، مع غفران الذنوب ، وتنقية الصحف من الكدر ، وصفاء القلب من الران ، وكأنهم ولدوا من جديد، وتعتق رقابهم من النار ، ويتعدون لرياض الجنة . - رمضان ظاهرة اقتصادية : تلفت نظر التجار ، ورجال الأعمال ، والقائمين على التموين والمشرفين على عمليات البيع والشراء ، فتنفق فيه الأموال، وتدخر له السلع الغذائية لتبسط على موائد الإفطار ، وتستورد من أنحاء المعمورة ، وتتحرك الأسعار ، وتتضاعف الأرباح، فالتاجر ربحه مادي دينوي ، فإن قصد وجه الله فله نصيب وسهم في الآخرة أيضاً ، والموسر الغني المعطاء ربحه أضعاف مضاعفة بالتجارة مع الله تعالى ، وهل هناك أفضل من إطعام الطعام ، وتأمين القوت للفقراء والمحتاجين ، والمساكين والعمال والكادحين الذين يطوون الجوع طوال العام لتمتلئ بطونهم ، وتتغذى أجسادهم في رمضان بأطايب الطعام والشراب ، والفواكه واللحوم؟ فيكون الاقتصاد في قمة تحركاته. - رمضان ظاهرة قرآنية : ففيه نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، وفيه بدأ نزوله على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( وفيه تدارس جبريل عليه السلام القرآن مع الحبيب المصطفى ، وفيه تختم التلاوة من معظم الناس ، وفيه تكثر القراءة في الصلوات والتراويح والتهجد ، ليكون القرآن اقرب ما يكون عملياً إلى الناس ، وتفتح المصاحف في البيوت والمساجد ، وتعمل أشرطة القرآن الكريم ليل نهار ، وتمتلأ صفحات القنوات الفضائية به ) .
- رمضان ظاهرة أخلاقية وتربوية ونفسية :فالصيام تهذيب للنفس ، وتسام للأخلاق ، وسمو للقيم ، وارتقاء للفضائل ، وكبح للهوى، وتربية اجتماعية وفردية ، وصفاء للنفس من الأدران ، فإن ساب الصائم أحدٌ قال بكل أدب وضبط للعواقب ، وكبح للغرائز والشهوات ، وترفع حتى عن المعاملة بالمثل ، قال جهراً: " أني صائم ، إني صائم " يكون كاظماً للغيظ ، عافياً عن الناس ، مذكَّراً غيره بالفضائل والقيم والسلوك الرشيد . تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال ..... وكل عام وأنتم بخير.... |